الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
ثـم إن الباشـا تخيـل مـن إبراهيـم بك أمير الحاج فأمره بالنزول إلى بيته فنزل إلى جامع السلطان حسن وجلس به فأرسل له الباشا بالذهاب إلى منزله فذهب. وفـي صبـح ثانـي يـوم ركـب سليمـان بـك وأيـوب بـك الكبير والصغير وخرجوا إلى مضرب النشاب وركـب إبراهيـم بـك أميـر الحـاج وذهـب إلـى بولـاق وأحـب أن يأخذ الجمال من المناخ فمنعه عسكر المغاربة ثم ذهب عند رفقائه بمضرب النشاب فلما بلغ الباشا ذلك أرسل لهم فرمانًا بالعودة فطردوا الرسول ومزقوا الفرمان وأقاموا بالمصاطب حتى اجتمعت عليهم طوائفهم وركبوا لحقوا بإخوانهـم فلما حصل ذلك اضطربت البلد وتوهموا صعودهم على الجبل بالمدافع ويضربوا على القلعة وغير ذلك من التوهمات وركب قائد أغا بعد صلاة الجمعة وعلي أغا خازندار مراد بك سابقًا وصحبتهم جملة من المماليك والعسكر وهم بالطرابيش وبيدهـم مكاحـل البنـدق والقرابينـات وفتائلهـا موقـودة فوصلـوا إلـى الرميلة فضربوا عليهم مدفعين فرجعوا إلى ناحية الصليبة ونزلـوا إلـى بـاب زويلـة ومـروا علـى الغوريـة والأشرفية وبين القصرين وطلعوا من باب انصر وأمامهم المناداة أمان واطمئنان حكم ما رسم إبراهيم بك ومراد بك وحكم الباشا بطال فلما سمع النـاس ذلـك ورأوه علـى تلـك الصـورة انزعجـوا وأغلقوا الدكاكين المفتوحة وهاجت النفوس وحاصوا حيصة عظيمة وكثر فيـه اللغـط. ولمـا بلـغ الباشـا هـروب المذكوريـن حصـن القلعـة والمحمودية والسلطان حسن وأرسل الأغا فنادى على الألضاشات بالطلوع إلى القلعة. وفي تلك الليلة ضرب المنسر كفـر الطماعيـن ونهبـوا منـه عـدة أماكـن وقتـل بينهـم أشخـاص وانقطعت الطرق حتى إلى بولاق ومصر القديمة وصارت التعرية من عند رصيف الخشاب.وفي
يـوم السـبت ركـب إبراهيـم بـك وحسيـن بـك وأتـوا إلـى المناخ أيضًا وأرادوا أخذ الجمال فمنعهم المغاربة وقيل أخذوا منهم جملة وعربدوا في ذلك اليوم عربدة عظيمة من كل ناحية وأرسل الباشـا قبـل المغرب فطلب تجار المغاربة فاجتمعوا وطلعوا بعد العشاء وباتوا بالسبيل الذي في رأي الرميلة وشدد الباشا في اجتماع الألضاشات ومن ينتسب للوجاقات فقيل له أن منهم من لا يملك قوت يومه وسبب تفرقهم الجوع وعدم النفقة فطلب أغات مستحفظان وأعطاه أربعة آلاف ريال لينفقها فيهم. وفيـه عدى مراد بك من جزيرة الذهب إلى الآثار وكان إبراهيم بك ركب إلى حلوان وضربها وأحرقها بسبب أن أهل حلوان نهبوا مركبًا من مراكبه ولما عدى مراد بك إلى البر الشرقي أرسـل إلـى إبراهيـم بـك فحضـر إليـه واصطلـح معـه لـأن إبراهيـم بـك كـان مغتاظـًا منه بسبب سفرته وكسرته فـإن ذلـك كـان علـى غيـر مـراد إبراهيـم بـك وكـان قصـده أنهـم يستمـرون مجتمعيـن ومنضمين وإذا وصل القبطان أخلوا من وجهه إن لم يقدروا على دفعه أو مصالحته وتركوا له البلد ومصيره الرجوع إلى بلاده فيعودون بعد ذلك بأي طريق كان. وكان ذلك هو الرأي فلم يمتثل مراد بك وأخذ في أسباب الخروج والمحاربة ولم يحصل من ذلك الأضياع المال والفشل والانهزام الذي لا حقيقة له وكان الكائن. ولما اصطلحا تفرقت طوائفهما يعبثون فـي الجهـات ويخطفون ما يجدونه في طريقهم من جمال السقائين وحمير الفلاحين وبعضهم جلس في مرمى النشـاب وبعضهـم جهة بولاق ونهبوا نحو عشرين مركبًا كانت راسية عند الشيخ عثمان وأخذوا ما كان فيها من الغلال والسمن والأغنام والتمر والعسل والزيت. وفـي يـوم الأحـد حادي عشرة زاد تنطيطهم وهجومهم على البلد من كل ناحية ويدخلون أحزابًا ومتفرقيـن ودخل قائد أغا وأتى إلى بيته الذي كان سكن فيه وسكنه بعده حسن أغا المتولي وهو بيت قصبة رضوان فوجد باباه مغلوقًا فأراد كسره بالبلط فأعياه وخاف مـن طـارق فذهب إلى باب آخر من ناحية القريبة فضرب عليه الحراس بنادق فرجع بقهره يخطف كل ما صادفه ولم يزالوا على هذه الفعال إلى بعد الظهر من ذلك اليوم. واشتد الكرب وضاق خناق الناس وتعطلت أسبابهم ووقع الصياح في أطراف الحارات من الحراميـة والسـراق والمناسر نهارًا والأغا والوألي والمحتسب مقيمون بالقلعة لا يجسرون على النزول منها إلى المدينة وتوقع كل الناس نهب البلد من أوباشها. وكل ذلك والمآكل موجودة والغلال معرمة كثيرة بالرقع ورخصت أسعارها والأخباز كثيرة وكذلك أنواع الكعك والفطير وأشيـع وصول مراكب القبطان إلى شلقان ففرح الناس وطلعوا المنارات والأسطحة العالية ينظرون إلى البحـر فلـم يـروا شيئـًا. فاشتـد الانتظـار وزاغـت الأبصـار فلمـا كـان بعد العصر سمع صوت مدافع علـى بعـد ومدافـع ضربـت من القلعة ففرحوا واستبشروا وحصل بعض الاطمئنان وصعدوا أيضًا علـى المنـارات فـرأوا عـدة مراكـب ونقايـر وصلـت إلى قرب ساحل بولاق ففرح الناس وحصل فيهم ضجيج وكان مراد بك وجماعة من صناجقه وأمرائه قد ذهبوا إلى بولاق وشرعوا في عمل متاريس جهة السبتية وأحضروا جملة مدافع علـى عجـل وجمعـوا الأخشـاب وحطـب الـذرة وأفرادا وغيرهـا فـوردت مراكـب الـأروام قبـل إتمامهـم ذلـك فتركـوا العمـل وركبـوا فـي الوقـت ورجعوا. وضجت الناس وصرخت الصبيان وزغرتت النساء وكسروا عجل المدافع. وفـي هـذا اليـوم أرسـل الأمـراء مكاتبـة إلـى المشايـخ والوجاقـات يتوسلـون بهـم فـي الصلـح وأنهم يتوبون ويعودون إلى الطاعة فقرئت تلك المكاتبات بحضرة الباشا فقال الباشا: يا سبحـان اللـه كـم يتوبون ويعودون ولكن اكتبوا لهم جوابًا معلقًا على حضور قبطان باشا. فكتبوه وأرسلوه. وفي وقت العشاء من ليلة الاثنين وصل حسن باشا القبطان إلى ساحل بولاق وضربوا مدافع لقدومـه واستبشـر النـاس وفرحـوا وظنـوا أنـه مهـدي الزمان فبات في مراكبه إلى الصباح يوم الاثنين ثانـي عشـر شـوال وطلـع بعـض أتباعـه إلـى القلعة وقابلوا الباشا ثم أن حسن باشا ركب من بولاق وحضـر إلـى مصـر مـن ناحيـة بـاب الخـرق ودخـل إلـى بيـت إبراهيـم بـك وجلـس فيه وصحبته أتباعه وعسكـره وخلفـه الشيخ الأترم المغربي ومعه طائفة من المغاربة فدخل بهم إلى بيت يحيى بك. وراق الحـال وفتحـت أبـواب القلعـة واطمـأن النـاس ونـزل مـن بالقلعـة إلـى دورهم وشاع الخبر بذهاب الأمراء المصرية إلى جهة قبلي من خلف الجبل فسافر خلفهم عدة مراكب وفيها طائفة من العسكـر واستولـوا علـى مراكـب مـن مراكبهـم وأرسلوهـا إلـى ساحل بولاق وأنقذ حسن باشا رسلًا إلى اسمعيل بك وحسن بك الجداوي يطلبهما للحضور إلى مصر. وفيـه خرجـت جماعة من العسكر ففتحوا عدة بيوت من بيوت الأمراء ونهبوها وتبعهم في ذلك الجعيديـة وغيرهـم فلمـا بلـغ القبطـان ذلـك أرسـل إلـى الوالـي والآغـا وأمرهم بمنع ذلك وقتل من يفعله ولو من أتباعه. ثم ركب بنفسه وطاف البلد وقتل نحو ستة أشخاص من العسكر وغيرهم وجد معهم منهوبات فانكفوا عن النهب. ثم نزل على بابا زويلة وشق من الغورية ودخل من عطفـة الخراطيـن علـى بـاب الأزهـر وذهـب إلـى المشهـد الحسينـي فـزاره ونظـر إلى الكسوة ثم ركب وذهـب إلى بيت الشيخ البكري بالأزبكية فجلس عنده ساعة وأمر بتسمير بيت إبراهيم بك الـذي بالأزبكيـة وبيـت مـراد بـك. ثـم ذهـب إلـى بولـاق ورجـع بعـد الغـروب إلـى المنـزل وحضـر عنده محمد باشا مخفيًا واختلى معه ساعة. وفي يوم الثلاثاء ذهب إليه مشايخ الأزهر وسلموا عليه وكذلك التجار وشكـوا إليـه ظلـم الأمراء فوعدهم بخير واعتذر إليهم باشتغاله بمهمات الحج وضيق الوقت وتعطل أسبابه. وفيه عمل الباشا الديوان وقلد حسن أغا مستحفظان صنجقية وخلع على علي بك جركس الاسمعيلـي صنجقيـة كمـا كـان فـي أيـام سيـده اسمعيل بك وخلع على غيطاس كاشف تابع صالح بك صنجقية وخلع على قاسم كاشف تابع أبي صنجقية أيضًا وخلع على مراد كاشف تابع حسن بك الأزبكاوي صنجقية وخلع على محمد كاشف تابع حسين بك كشكش صنجقية وقلـد محمـد أغـا أونـؤد الوالـي أغـات الجمليـان وقلـد موسـى أغا الوالي تابع علي بك أغات تفكجية وخلع على باكير أغا تابع محمود بك وجعله أغات مستحفظان وخلع على عثمان أغا الجلفي وقلده الزعامة عوضًا عن محمد أغا ولما تكامل لبسهم التفت إليهم الباشا ونصحهم وحذرهم وقـال للوجاقليـة: الزموا طرائقكم وقوانينكم القديمة ولا تدخلوا بيوت الأمراء الصناجق إلا لمقتضى واكتبوا قوائمكم بتعلقاتكم وعوائدكم أمضيها لكم. ثم قاموا وانصرفوا إلى بيوتهم ونزل الأغا وأمامه المناداة بالتركي والعربي بالأمان على أتباع الأمراء المتوارين والمخفيين وكل ذلك تدبير وترتيب الاختيارية وقلدوا من كل بيت أميرًا لئلًا يتعصبوا لأنفسهم ولا تتحد أغراضهم. وفيه أرسل حسن باشا إلى نواب القضاء وأمرهم أن يذهبوا إلى بيوت الأمراء ويكتبوا مـا يجدونه من متروكاتهم ويودعوه في مكان من البيت ويختمون عليه ففعلوا ذلك. وفي تلك الليلة وردت خمس مراكب رومية وضربوا مدافع وأجيبوا بمثلها من القلعة. وفـي يـوم الأربعـاء ركـب حسن باشا وذهب إلى بولاق وهو بزي الدلاة وعلى رأسه هيئة قلبق من جلد السمور ولابس عباءة بطراز ذهب وكان قبل ذلك يركب بيهئته المعتادة وهي هيئة القباطيـن وهـي فوقانيـة جـوخ صايـة بدلايـة حريـر علـى صـدره وعلـى رأسـه طربـوش كبيـر يعمـم بشال أحمـر وفـي وسطـه سكينـة كبيـرة وبيـده مخصـرة لطيفـة هيئـة حربـة بطرفهـا مشعـب حديـد علـى رسـم الجلالة. وفيه نادى الأغا على كل من كان سراجًا بطالًا أو فلاحًا أو قواسًا بطالًا يسافر إلى بلده ومن وجد بعد ثلاثة أيام يستحق العقوبة. وفيه أيضًا نودي على طائفة النصارى بأن لا يركبوا الدواب ولا يستخدموا المسلمين ولا يشتروا الجـواري والعبيـد ومـن كـان عنده شيء من ذلك باعه أو أعتقه وأن يلزموا زيهم الأصلي من شد وفيـه أرسـل حسـن باشـا إلـى القاضـي وأمره بالكشف عن جميع ما أوقفه المعلم إبراهيم الجوهري على الديور والكنائس من أطيان ورزق وأملاك والمقصـود مـن ذلـك كلـه استجلـاب الدراهـم والمصالح. وفـي يوم الخميس نودي على طائفة النصارى بالأمان وعدم التعرض لهم بالإيذاء وسببه تسلط العامة والصغار عليهم. وفيه كثر تعدي العساكر على أهل الحرف كالقهوجية والحمامية والمزينين والخياطين وغيرهم فيأتـي أحدهـم إلـى الحمامـي أو القهوجـي أو الخيـاط ويقلـع سلاحـه ويعلقـه ويرسم ركنه في ورقة أو على بابا دكان وكأنه صير شريكه وفي حمايته ويذهب حيث شاء أو يجلس متى شاء ثم يحاسبـه ويقاسمـه فـي المكسـب وهـذه عادتهـم إذا ملكوا بلدة ذهب كل ذي حرفة إلى حرفته التي كان يحترفها في بلده ويشارك البلدي فيها فثقل على أهل البلدة هذه الفعلة لتكلفهم مالًا ألفوه ولا عرفوه. وفيه أجلسوا على أبواب المدينة رجلًا أوده باشا ومعـه طائفـة مـن العسكـر نحـو الثلاثيـن أو العشرين. وفيـه أعنـي يـوم الخميـس الموافـق لسـادس مسـرى القبطـي نـودي بوفاء النيل فأرسل حسن باشا في صبـح يـوم الجمعـة كتخـداه والوالـي فكسـر السـد علـى حيـن غفلـة وجـرى المـاء فـي الخليـج ولـم يعمـل له موسم ولا مهرجان مثل العادة بسبب القلقة وعدم انتظام الأحوال والخوف من هجوم الأمراء المصرية فإنهم لم يزالوا مقيمين جهة حلوان. وفيـه نـودي بتوقيـر الأشـراف واحترامهـم ورفـع شكواهـم إلـى نقيـب الأشراف وكذلك المنسوبون إلى الأبواب ترفع إلى وجاقه وإن كان من أولاد البلد فإلى الشرع الشريف. وفيه مرت جماعة من العسكر على سوق الورية فخطفوا من الدكاكين أمتعة وأقمشة فهاجت أهل الدكاكين والناس المارون وأغلقوا الحوانيت وثارت كرشة إلى بابا زويلة وصادف مرور الوالـي فقبـض علـى ثلاثـة أنفـار منهم واستخلص ما بأيديهم وهرب الباقون وكان الوالي والأغا كل منهما صحبته ضابطان من جنس العسكر. وفيه نودي بمنع القواسة وأسافل الناس من لبس الشيلان الكشميري والتختم أيضًا. وفيـه وصلـت مراكـب القباطين الواردين من جهة دمياط إلى ساحل بولاق وفيهم اسمعيل كتخدا حسن باشا فضربت لهم مدافع من القلعة. وفيـه قبضـوا علـى ثلاثـة مـن العسكـر أفسدوا بالنساء بناحية الرميلة فرفعوا أمرهم وأمر الخطافين إلى القبطان فأمر يقتلهم فضربوا أعناق ثلاثة منهم بالرميلة وثلاثة في جهات متفرقة. وفيه نودي بأبطال العسكر لأهل الحرف ومن أتاه عسكري يشاركه أو أخذ شيئًا بغير حق فليمسـك ويضـرب وتوثـق أكتافـه ويؤتـى بـه إلـى الحاكـم وحضـر الوالـي وصحبتـه الجاويـش وقبـض على مـن وجده منهم بالحمامات والقهاوي وطردهم وزجرهم وذلك بسبب تشكي الناس فلما حصل ذلك اطمأنوا وارتاحوا منهم. وفيه عدى الأمراء إلى البر الغربي. وفي يوم السبت خلعوا على محمد بك تابع الجرف وجعلوه كاشفًا على البحيرة. وفيه جاء الخبر عن الأمراء أن جماعة من العرب نحو الألف اتفقوا أنهم يكبسون عليهم ليلًا ويقتلونهم وينهبونهم فذهب رجل من العرب وأخبرهم بذلك الاتفاق فأخلوا من خيامهم وركبوا خيولهم وكمنوا بمرأى من وطاقهم فلما جاءت العربان وجدوا الخيام خالية فاشتغلوا بالنهب فكبس عليهم الأمراء من كمينهم فلم ينج من العرب إلا من طال عمره. وفيه نودي على طائفة النساء أن لا يجلسن على حوانيت الصياغ ولا في الأسـواق إلا بقـدر الحاجة. وفـي يـوم الأحد عملوا الديوان وقلدوا مراد بك أمير الحاج وسماه حسن باشا محمدًا كراهة في اسـم مراد بك فصار يكتب في الإمضاء محمد بك حسن وكان هذا اليوم هو ثاني يوم ميعاد وفـي يـوم الثلاثـاء كتبـت فرمانـات لشيـخ العرب أحمد بن حبيب بخفر البرين والموارد من بولاق إلى حد دمياط ورشيد على عادة أسلافه وكل ذلك مرفوعًا عنهم من أيام علي بك ونودي له بذلك على ساحل بولاق. وفيه أخرجت خبايا وودائع للأمراء من بيوتهم الصغار لهم ولأتباعهم وختم أيضًا على أماكن وتركـت على ما فيها ووقع التفتيش والفحص على غيرها وطلبوا الخفراء فجمعوهم وحبسوهم ليدلوا على الأماكن التي في العطف والحارات وطلبت زوجة إبراهيم بك وحبست في بيت كتخدا الجاويشية هي وضرتها أم مرزق بك حتى صالحا بجملة من المال والمصاغ خلاف ما أخذ من المستودعات عند الناس وطولبت زليخا زوجة إبراهيم بك بالتـاج الجوهـر وغيـره وطلبت زوجة مراد بك فاختفت وطلب من السيد البكري ودائع مراد بك فسلمها. وفي يوم الخميس عمل الباشا ديوانًا وخلع على علي أغا كتخدا الجاويشية وقلده صنجقيًا ودفتـردار وشيخ البلد ومشير الدولة فصار صاحب الحل والعقد وإليه المرجع في جميع الأمور الكلية والجزئية وقلد محمد أغا الترجمان وجعله كتخدا الجاويشية عوضًا عن المذكور وخلع علـى سليمـان بـك الشابوري وقلده صنجقًا كما كان أيضًا في الدهور السالفة وخلع على محمد كتخدا بن أباظة المحتسب وجعله ترجمانا عوضًا عن محمد أغا الترجمان وخلع على أحمد أغا وفي يوم الجمعة ركب المشايخ إلى حسن باشا وتشفعوا عنده في زوجة إبراهيم بك وذلك بإشارة علي بك الدفتردار فأجابهم بقوله تدفع ما على زوجها للسلطان وتخلص أزواجهن لهم مدة سنين ينهبون البلاد ويأكلون أموال السلطان والرعية وقد خرجوا من مصر على خيولهم وتركوا الأموال عند النساء فإن دفعن ما على أزواجهن تركت سبيلهن إلا أذقناهن العذاب. وانفض المجلس وأقاموا وذهبوا. وفيه ورد الخبر عن الأمراء أنهم ذهبوا إلى أسيوط وأقاموا بها. وفـي يـوم السبـت حصـل التشديـد والتفتيـش والفحـص عـن الودائـع. ونودي في الأسواق بأن كل من كـان عنـده وديعـة أو شـيء مـن متـاع الأمـراء الخارجيـن ولا يظهـره ولا يقـر عليـه فـي مـدة ثلاثـة أيام قتل من غير معاودة إن ظهر بعد ذلك. وفيـه طلـب حسـن باشـا من التجار المسلمين والإفرنج والأقباط دراهم سلفة لتشهيل لوازم الحج وكتب لهم وثائق وأجلهم ثلاثين يومًا ففردوها على أفرادهم بحسب حال كل تاجر وجمعوها. وفيه حصلت كائنة على بن عياد المغربي ببولاق وقتله اسمعيل كتخدا حسن باشا. وفيه نادوا على النساء بالمنع من النزول في مراكب الخليج والأزبكية وبركة الرطلي. وفيه كتبوا مكاتبات من حسن باشا ومحمد باشا الوالي والمشايخ والوجاقات خطابًا لاسمعيل وفـي يـوم الأحـد خامـس عشرينه نودي على النساء أن لا يخرجن إلى الأسواق ومن خرجت بعد اليوم شنقت فلم ينتهين. وفيه حضر حسن باشا المطربازية واليسرجية وأخرج جواري إبراهيم بك وباقي الأمراء بيضًا وسـودًا وحبوشـًا ونـودي عليهـن بالبيـع والمـزاد فـي حـوش البيت فبيعوا بأبخس الأثمان على العثمانية وعسكرهم وفي ذلك عبرة لمن يعتبر. وفي يوم الاثنين أحضروا أيضًا عدة جوار من بيوت الأمراء ومن مستودعات كن مودعات فيها وأخـذوا جـواري عثمـان بـك الشرقـاوي مـن بيتـه ومحظيتـه التـي فـي بيتـه الـذي عنـد حيضان المصلى فأخرجوهـا بيـد القليونجيـة وكذلـك جـواري أيـوب بـك الصغـر ومـا فـي بيوت سليمان أغا الحنفي من جـوار وأمتعـة وكذلـك بيـوت غيـره مـن الأمـراء وأحاطـوا بعـدة بيـوت بدرب الميضأة بالصليبة وطليون ودرب الحمام وحارا المغاربة وغيرهم في عدة أخطاط فيهـا ودائـع وأغلـال فاخـذوا بعضهـا وختمـوا علـى باقيهـا وأحضـروا الجواري بين يدي حسن باشا فأمر ببيعهن وكذلك أمر ببيع أولاد إبراهيم بك مرزوق وعديله والتشديد على زوجاته ثم إن شيخ السادات ركب إلى الشيخ أحمـد الدرديـر وأرسلـوا إلـى الشيـخ أحمـد العروسـي والشيـخ محمـد الحريري فحضروا وتشاوروا في هـذا الأمـر ثـم ركبوا وطلعوا إلى القلعة وكلموا محمد باشا وطلبوا منه أن يتكلم مع قبطان باشا فقـال لهم: ليس لي قدرة على منعه ولكن اذهبوا إليه واشفعوا عنده. فالتمسوا منه المساعدة فأجابهـم واقـل: اسبقونـي وأنا أكون في أثركم فلما دخلوا على القبطان وحضر أيضًا محمد باشا وخاطبـوه فـي شـأن ذلـك وكـان المخاطـب لـه شيـخ السـادات فقـال لـه: إنا سررنا بقدومك إلى مصر لما ظنناه فيك من الإنصاف والعدل وأن مولانا السلطان أرسلك إلى مصر لإقامة الشريعة ومنع الظلم وهذا الفعل لا يجوز ولا يحل بيع الأحرار وأمهات الأولاد ونحو ذلك من الكلام فاغتاظ وأحضر أفندي ديوانه وقال اكتب أسماء هؤلاء لأرسل إلى السلطان وأخبره بمعارضتهم لأوامره ثـم التفـت إليهـم وقـال: أنـا أسافـر مـن عندكـم والسلطـان يرسـل لكـم خلافي فتنظروا فعله أما كفاكم أنـي فـي كـل يـوم أقتـل مـن عساكري طائفة على أيسر شيء مراعاة وشفقة ولو كان غيري لنظرتم فعـل العسكـر فـي البيـوت والأسـواق والنـاس. فاقلـوا لـه إنمـا نحـن شافعـون والواجـب علينـا قـول الحـق. وقاموا من عنده وخرجوا وتغير خاطره من ذلك الوقت على شيخ السادات. وفيه قبض اسمعيل كتخدا حسن باشا على الحاج سليمان بن ساسي التاجر وجماعة منن طليون وألزمه بخمسمائة كيس فولول واعتذر بعجزه عن ذلك فلم يقبـل ولطمـه علـى وجهـه وشدد عليه فراجعوه وتشفعوا فيه إلى أن قررها مائة كيس فحلف أنه لا يملك إلا ثلثمائة فرق بـن وليـس لـه غيرهـا فأرسـل وختـم عليهـا فـي حواصلهـا واستمـر فـي الاعتقـال حتـى غلـق المائـة كيس وفـي يـوم الثلاثاء سابع عشرينه كان خروج المحمل صحبة أمير الحاج محمد بك المبدول بالموكب على العادة ما عدا طائفة الينكرجية والعزب خوفًا من اختلاط العثمانية بهم وحضر حسن باشا القبطان إلى مدرسة الغورية لأجل الفرجة والمشاهدة ولم يزل جالسًا حتى مر الموكب والمحمـل. ولمـا مـرت عليه طوائف الأشاير فكانت تقف الطائفة منهم تحت الشباك ويقرأون الفاتحة فيرسل لهم ألف نصف فضة في قرطاس ولما انقضى أمر ذلك ركب بجماعة قليلة وازدحمت النـاس للفرجـة عليـه وكـان لابسـًا علـى هيئـة ملـوك العجـم وعلى رأسه تاج من ذهب مزرد مخروط الشكل وعليه عصابة لطيفة من حرير مرصعة بالجوهر ولها ذوائب على آذانه وحواجبه وعليه عباءة لطخ قصب أصفر. وفي يوم الأربعاء نودي على النصارى واليهود بأن يغيروا أسماءهم التي على أسماء الأنبياء كإبراهيـم وموسـى وعيسـى ويوسـف واسحـق وأن يحضـروا جميـع مـا عندهم من الجواري والعبيد وإن لم يفعلوا وقع التفتيش على ذلك في دورهم وأماكنهم فصالحوا على ذلك بمال فحصـل العفـو وأذنـوا لهـم فـي أن يبيعـوا مـا عندهـم مـن الجـواري والعبيد ويقبضوا أثمانهم لأنفسهم ولا يستخدموا المسلمين فأخرجوا ما عندهم وباعوا بعضه وأودعوه عند معارفهم من المسلمين. وفيه حضر مبشر بتقرير الباشا على السنة الجديدة. وفي يوم الخميس أرسل حسن باشا القبطان جملة من العسكر البحرية وصحبتهـم اسمعيـل كتخـدا إلـى عـرب البحيـرة لكونهـم خامـروا مـع المصرليـة ووقـع الخلـف بينهـم وبين قبليتهم ثم حضروا مع أخصامهم بين يدي القبطان واصطلحوا ثم نكثوا وتحاربوا مع بعضهم فحضر الفرقة الأولى واستنجدوا بحسن باشا فأرسل لهم اسمعيل كتخدا بطائفة من العسكر في المراكب فهربوا ورجع اسمعيل كتخدا ومن معه على الفور. وفـي يـوم الجمعـة غايـة شـوال وصلـت العساكـر البرية صحبة عابدي باشا ودرويش باشا إلى بركة الحج وكان أمير الحاج مقيمًا بالحجاج بالعادلية ولم يذهبوا إلى البركة على العادة بسبب قدوم هؤلاء. وفـي يـوم السب غرة القعدة ارتحل الحجاج من العادلية وحضر عابدي باشا ودرويش باشا إلى العادلية وخرج حسن باشا إلى ملاقاتهم ودخلت طوائف عساكرهما إلى المدينة وهم بهيئات مختلفة وأشكال منكرة وراكبون خيولًا وأكاديش كأمثال دواب الطواحين وعلى ظهورها لبابيد شبه البراذع متصلة بكفل الاكديش وبعضهم بطراطير سود طوال شبه الدلاة والبعض معمم ببوشيـة ملونـة مفشولـة علـى طربـوش واسـع كبيـر مخيط عليه قطعة قماش لابسها دماغه والطربوش مقلوب على قفاء مثل حزمة البراطيش وهم لابسون زنوط وبشوت محزمين عليها وصورهم بشعـة وعقائدهـم مختلفـة وأشكالهـم شتـى وأجناسهـم متفرقـة ما بين أكراد ولاوند ودروز وشوام. ولكن لم يحصل منهم إيذاء لأحد وإذا اشتروا شيئًا أخذوه بالمصلحة فباتوا بالخيام عند سبيل قيماز تلك الليلة. وفـي يـوم الأحـد ركب عابدي باشا ودرويش باشا وذهبوا إلى البساتين من خارج البلد فمروا بالصحراء وباب الوزير وأجروا عليهم الرواتب من الخبز واللحم والأرز والسمن وغيره. وفيه نودي على النصارى بإحضار ما عندهم من الجواري والعبيد ساعة تاريخه ثم نزلت العساكـر وهجمـت علـى بيوت النصارى واستخرجوا ما فيها فكان شيئًا كثيرًا وأحضروهم إلى القبطان فأخرجوهم إلى المزاد وباعوهم واشترى غالبهم العسكر وصاروا يبيعونهم على الناس بالمرابحة فإذا أراد إنسان أن يشتري جارية ذهب إلى بيت الباشا وطلب مطلوبه فيعرض عليه الجواري من مكان عند باب الحريم فإذا أعجبته جارية أو أكثر حضر صاحبها الذي اشتراها فيخبره برأس ماله ويقوله له: وأنا آخذ مكسي كذا فلا يزيد ولا ينقص فإن أعجبه الثمن دفعه وإلا تركها وذهب. ثم وقع التشديد على ذلك وأحضروا الدلالين والنخاسين القدم والجـدد واستدلوا منهم على المبيوعات. وفيه حضر القبطان المهندسين ليستخبر منهم عن الخبايا والدفائن التي صنعوها في البيوت وفي يوم الاثنين أمر القبطان الأمراء والصناجق والوجاقلية أن يذهبوا للسلام على عابدي باشا ودرويـش باشـا فذهـب الصناجـق أولًا بسائر أتباعهم وطوائفهم وتلاهم الوجاقلية فسلموا ورجعوا من البساتين وكلاهما في جمع كثير. وفـي يـوم الثلاثاء رابعه حضر عابدي باشا عند القبطان وسلم عليه ثم طلع إلى القلعة وسلم على محمد باشا المتولي ثم نزل وخرج إلى مخيمه بالبساتين. وفيـه قـرر علـى بيـوت النصارى الذين خرجوا بصحبة الأمراء المصرية مبلغ دراهم مجموع متفرقها خمسة وسبعون ألف ريال. وفيه أمر أيضًا بإحصاء بيوت جميع النصارى ودورهم وما هو في ملكهم وأن يكتب جميع ذلـك فـي قوائـم ويقـرر عليها أجرة مثلها في العام وأن يكشف في السجل على ما هو جار في أملاكهم. ثم قرر عليهم أيضًا خمسمائة كيس فوزعوها على أفرادهم فحصل لفقرائهم الضرر الزائـد وقيـل أنهـم حسبـوا لهم الجواري المأخوذة منهم من أصل ذلك على كل رأس أربعون ريالًا. وقرر أيضًا على كل شخـص دينـارًا جزيـة العـال كالـدون وذلـك خـارج عـن الجزيـة الديوانيـة المقررة. وفي يوم الخميس عمل محمد باشا ديوانًا وخلع على مصطفى أغا تابع حسن أغا تابع عثمان وكيل دار السعادة سابقًا وقلده وكيل دار السعادة كأستاذ أستاذه وكانت شاغرة من أيام علي بك. وفيه أيضًا سمحوا في جمرك البهار والسلخانة لباب الينكجريـة كمـا كـان قديمـًا وكـان ذلـك مرفوعًا عنهم من أيام ظهور علي بك. وفيه انتقل عابدي باشا ودرويش باشا من ناحية البساتين إلى قصر العيني بشاطئ النيل وجلسوا هناك. وفيه دفع قبطان باشا بعض دراهم السلفة التي كان اقترضها من التجار فدفع ما للإفرنج وجانبًا لتجار المغاربة ووعدهم بغلاق الباقي. وفيه قبض القبطان على راهب مـن رهبـان النصـارى واستخلـص منـه صندوقـًا مـن ودائـع النصارى. وفيـه ايضـًا قبـض علـى شخـص مـن الأجنـاد مـن بيتـه بخشقدم وأخرجوا من داره زلعتين مسدودتين كل واحدة منهما يرفعها ثمانية من الرجال العتالين بالآلة لا يعلم ما فيها. وفي يوم الجمعة عمل شيخ السادات عزومة لحسن باشا عند تربة أجداده بالقرافة. وفيـه حضـر قاصـد من طرف اسمعيل بك وعلى يده مكاتبات من المذكور يخبر فيها بأنه وصل إلـى دجرجـا وقصـده الإقامـة هناك لأجل المحافظة في تلك الجهة حتى تسافر العسكر فإذا التقوا مع الأمراء وكسروهم وهزموهم يكون هو ومن معه في أقفيتهم وقت الحرب ومانعًا عند الهزيمة. وفي يوم السبت قبض القبطان على المعلم واصف وحبسه وضربه وطالبه بالأموال وواصف هـذا أحـد الكتـاب المباشريـن المشهوريـن ويعـرف الإيـراد والمصاريـف وعنـده نسـخ مـن دفاتـر الروزنامة ويحفظ الكليات والجزئيات ولا يخفى عن ذهنه شيء من ذلك ويعرف التركي. وفي يوم الأحد تاسعه قبض على بعض نساء المعلم إبراهيم الجوهري من بيت حسن أغا كتخدا علي بك أمين احتساب سابقًا فأقرب على خبايا أخرجوا منها أمتعة وأواني ذهب وفضة وسروجًا وغير ذلك. وفي يوم الاثنين حصلت جمعية بالمحكمة بسبب جمرك البهار وذلك أن إبراهيم بك شيخ البلد أخذ من التجار في العام الماضي مبلغًا كبيرًا من حساب الباشا وذلك قبل حضوره من ثغر سكندرية فلما حضر دفعوا له البواقي وحاسبهم وطالبهم بذلك المبلغ فمطالوا ووعدوه إلى حضور المراكـب فلمـا حضـرت المراكـب فـي أوائـل شهـر رمضـان مـن هـذه السنـة أحضرهـم وطالبهم فلم يزالوا يستوفونه ويعتذرون له وذلك خوفًا من إبراهيم بك ويعيدون القول على إبراهيم بك فيقول لهم لا تفضحوني ويلاطفهم ويداهنهم كما هي عادته والباشا يطالبهم: فلما ضـاق خناقهـم أخبـروه أن إبراهيـم بك يطلب ذلك ويقول أنا محتاج لذلك في هذا الوقت ووالدي الباشا يمهل وأنا أحاسبه بعد ذلك ولم يخبروه أنه أخذه فلم يرض ولم يقبل وصار يرسل إلى إبراهيم بك يشكو له من التجار ومطلهم فيرسل إبراهيم بك مع رسوله معينين من سراجينه يقولون للتجار ادفعوا مطلوبات الباشا فإذا حضر إليه التجار تملق لهم ويقول اشتروا لحيتي واشترونـي فلـم يـزل التجـار فـي حيـرة بينهمـا وقصـد إبراهيـم بـك أن التجـار يدفعـون ذلـك القدر ثانيًا إلـى الباشـا وهـم يثاقلونـه خوفًا من أن يقهرهم في الدفع. ثم حصلت الحركات المذكورة وحضور القبطـان وخـروج إبراهيـم بـك وإخوانه فبقي الأمر على السكوت. فلما راق الحال واطمأن الباشا أرسـل يطالـب التجـار بالمبلـغ وهـو أربعة وأربعون ألف ريال فرانسة. فعند ذلك أفصحوا له عن حقيقة الأمر وأنهم دفعوا ذلك لإبراهيم بك قبل حضوره إلى مصر فاشتد غيظه وقال: ومن أمركـم بذلـك ولا يلزموني ولا بد من أخذ عوائدي على الكامل. ثم أنهم ذهبوا إلى حسن باشا واستجاروا به فأمرهم أن يترافعوا إلى الشرع فاجتمعوا يوم الأحد في المحكمة وأقام الباشا من جهته وكيلًا وأرسله صحبة أنفار من الوجاقلية واجتمعت التجار حتى ملأوا المحكمة وطلبوا حضور العلماء فلم يحضروا. وانفض المجلس بغير تمام ثم حضر التجار في ثاني يوم وحضر العلمـاء ولـم يحضـر وكيـل الباشـا ثـم أبـرز التجـار رجعـة بختـم إبراهيـم بـك وتسلمه المبلغ مؤرخة في ثاني عشـر شعبـان أيـام قائمقاميتـه ووكالتـه عـن الباشـا وأبـرزوا فتـاوى أيضـًا وسئـل العلمـاء فأجابوهم بقولهم حيث أن الباشا أرسل فرمانًا لإبراهيم بك أن يكون قائمًا مقامه ووكيلًا عنه إلى حين حضوره فيكون فعل الوكيل كالأصيل وتخلص ذمة التجار وليـس للباشـا مطالبتهـم ومطالبته على إبراهيم بك على أن ذلك ليس حقًا شرعيًا. وكتب القاضـي إعلامـًا بذلـك وأرسله إلى الباشا وانفض المجلس على دماغ الباشا. وفي يوم الخميس تعين للسفر عدة من العساكر البحرية في المراكب ولحقت بالمراكب السابقة. وفـي يـوم الجمعـة حضر أحمد باشا والي جدة الذي كان مقيمًا بثغر الإسكندرية إلى ثغر بولاق فذهب لملاقاته علي بك الدفتردار وكتخدا الجاويشية وأرباب الخدم فركب صحبتهم وتوجه إلى ناحية العادلية وجلس هناك بالقصر. وفي يوم السبت حضر حسن باشا وعابدي باشا ودرويش باشا إلى بيت الشيخ البكري بالأزبكيـة باستدعـاء وجلسـوا هنـاك إلـى العصـر وقـدم لهـم تقادم وهدايا وحضروا إليه في مراكب من الخليج. وفـي يـوم الأحـد أحضروا عند حسن باشا رجلًا من الأجناد يسمى رشوان كاشف من مماليك محمـد بـك أبـي الذهـب فأمـر برمي عنقه ففعلوا به ذلك وعلقوا رأسه قبالة باب البيت. قيل أن سبـب ذلـك أنـه كـان بجرجـا أيـام الحركـة فلمـا خـرج رفقـاؤه حضـر إلـى مصـر وطلب الأمان فأمنوه ولم يزل بمصر إلى هذا الوقت فحدثته نفسه بالهروب إلى قبلي فركب جواده وخرج فقبض عليه المحافظون وأحضروه إلى حسن باشا فأمر برمي عنقه وقيل أن السبب غير ذلك. وفيـه وصلـت مراسلـة مـن كبيـر العساكـر البحريـة وأخبروا أنهم وقع بينهم وبين الأمراء القبالي لطمة ورموا على بعضهم مدافع وقنابر من المراكب فانتقل المصريون من مكانهم وترافعوا جهة الجبانة وصار البلد حائلًا بين الفريقين وساحل أسيوط طرد لا يحمل المراكب ومن الناحية الأخرى جزيرة تعوقهم عن التقرب إليهم. وصوروا صـورة ذلـك وهيئتـه فـي كاغـد لأجـل المشاهـدة وأرسلوها مع الرسول. وفيه عمل الديوان بالقلعة وتقلد قاسم بك أبو سيف ولاية جرجا وسارى عسكر التجريدة المعينة صحبة عابدي باشـا ودرويـش باشـا ومعهـم مـن الصناجـق أيضـًا علـي بـك جركـس الاسمعيلـي وغياطـس بـك المصالحـي ومحمـد بـك كشكش ومن الوجاقلية خمسمائة نفر وأخذوا في التجهيز والسفر. وفي يوم الاثنين سابع عشر حضر إلى ساحل بولاق أغا من الديار الرومية وهو أمير اخور وعلـى يـده مثالـات وخلع وهو جواب عن الرسالة بالأخبار الحاصلة وخروج الأمراء فركب أغات مستحفظان ومن له عادة بالكروب لملاقاته وطلع حسن باشـا وعابـدي باشـا وأحمـد باشـا الجداوي ودرويش باشا والأمراء والصناجق والوجاقـات والقاضـي والمشايـخ واجتمعـوا بالقلعـة وحضر الأغا من بولاق بالموكب والنوبة خلفه وبقية الأغوات وهم يحملون بقجًا على أيديهم والمكاتبـات فـي أكيـاس حريـر علـى صدورهـم ولما دخلوا باب الديوان قام الباشوات والأمراء على أقدامهم وتلقوهم ثم بدأوا بقراءة المرسوم المخاطب به حسن باشا فقرأوه ومضمونه التبجيل والتعظيم لحسن باشا وحسن الثناء عليه بما فعله من حسن السياسة والوصية على الرعية وصرف العلائف والغلال. وفيه ذكر اسمعيل بك وحسن بك والتحريض والتأكيد على القتـل والانتقـام مـن العصـاة ولمـا فرغوا من قراءة ذلك أخرجوا الخلعة المخصوصة به فلبسها وهي فروة سمور وقفطان أصفر مقصب مفرق الأكمام فلبسه من فوق وسيف مجوهر تقلد به ثم قرأوا المرسوم الثاني وهو خطـاب لمحمـد باشـا يكن المتولي ومعه الخطاب للقاضي والعلماء والأمراء والوجاقلية والثناء على الجميـع والنسـق المتقـدم فـي المرسـوم السابـق. ثـم لبس الخلعة المخصومة به وهي فروة وقفطان ثم قرأوا المرسوم الثالث وهو خطاب لأحمد باشا والي جده بمثل ذلك ولبس خلعته أيضًا وهي فـروة وقفطـان. ثـم قـرئ المرسـوم الرابـع وفيه الخطاب لعابدي باشا ومضمونه ما تقدم ولبس أيضًا خلعتـه وفروتـه. ثـم قـرئ المرسـوم الخامس ومضمونه الخطاب لدرويش باشا وذكر ما تقدم ولبس خلعته وهي فروة على بنش لأنه بطوخين ثم مرسوم بالخطاب لعلي بك الدفتردار ومضمونه الثناء علهي من عدم التأخر عن الإجابة والنسق. ثم فرمان ثان وهو خطاب لأمير الحاج والوصية بتعلقات الحج. فما فرغوا من ذلك إلا بعد الظهر ثم ضربوا مدافع كثيرة ودخلوا إلى داخـل وجلسـوا مـع بعضهـم ساعـة ثـم ركبوا ونزلوا إلى أماكنهم. وكان ديوانًا عظيمًا وجمعية كبيرة لم تعهد قبل ذلك ولم يتفق أنه اجتمع في ديوان خمسة باشوات في آن واحد. وفي يوم الأربعاء تاسع عشره عمل الباشا ديوانًا وخلع على باكيـر أغـا مستحفظـان وقلـده صنجقًا وخلع عثمان أغا الوالي وقلده أغات مستحفظان عوضًا عن باكير أغا. وفي يوم الخميس خلع الباشا على اسمعيل كاشف منن أتباع كشكش وقلده واليًا عوضًا عن عثمـان أغـا المذكـور وأقـر أحمد أفندي الصفائي في وظيفته روزنامجي أفندي على عادته وكانوا عزموا على عزله وأرادوا نصب غيره فلم يتهيأ ذلك. وفيـه وصـل إبراهيـم كاشـف مـن طـرف اسمعيـل بـك وحسـن بـك وأخبـر بقدومهما وأنهما وصلا إلى شـرق أولـاد يحيـى وأرسـلا يستأذنـان فـي المقام هناك بالجمعية حتى تصل العساكر المعينة فيكونوا معهـم فلـم يجبه حسن باشا إلى ذلك وحثه على الحضور فيقابله ثم يتوجه من مصر ثانيًا. ثم أجيب إلى المقام حتى تأتيهم العساكر وأخبر أيضًا أن الأمراء القبليين لم يزالوا مقيمين بساحل أسيوط على رأس المجرور وبنوا هناك متاريس ونصبوا مدافع وأن المراكب راسية تجاههم ولا تستطيع السير في ذلك المجرور إلا باللبان لقوة التيار ومواجهة الريح للمراكب. وفيـه استعفـى علـي بك جركس الاسمعيلي من السفر فأعفي وعين وعوضه حسن بك رضوان وأنفق حسن باشا على العسكر فأعطى لكل أمير خمسة عشر ألف ريال وللوجاقلية سبعة عشـر ألـف ريـال وأنفـق عابـدي باشـا فـي عسكره النفقة أيضًا فأعطى لكل عسكري خمسة عشر قرشـًا فغضبـت طائفـة الدلاة واجتمعوا بأسرهم وخرجوا إلى العادلية يريدون الرجوع إلى بلادهم وحصل في وقـت خروجهـم زعجـة فـي النـاس وأغلقـت الحوانيـت ولـم يعرفـوا مـا الخبـر. ولمـا بلـغ حسـن باشا خبرهم ركب بعسكره وخرج يريد قتلهم وخرج معهم المصرين وركب عابدي باشا أيضًا ولحق بعد عند قصر قايماز وكان هناك أحمد باشا الجداوي فنزل إليه أيضًا واجتمعوا إليه واستعطفـوا خاطـره وسكنـوا غضبـه وأرسلـوا إلـى جماعـة الدلـاة فاسترضوهـم وزادوا لهـم في نفقتهم وجعلوا لكل نفر أربعين قرشًا وردوهم إلى الطاعة. ورجع حسن باشا وعابدي باشا إلى أماكنهم قبيل الغروب. وفي صبح ذلك اليوم سافر اسمعيل كتخدا بطائفة من العسكر في البحر إلى جهة قبلي. وفيه أعني يوم الخميس أخرجوا جملةغلال من حواصل بيوت الأمراء الخارجين فأخرجوا من بيت أيوب بك الكبير وبيت أحمد أغا الجملية وسليمان بك الأغا وغيرهم. وفيه أيضًا أخذت عدة ودائع من عدة أماكن وتشاجر رجل جندي مع خادمه وضربه وطرجه ولم يدفع له أجرته فذهب ذلك الخادم إلى حسن باشا ورفع إليه قصته وذكر له أن عنده صندوقًا مملوءًا من الذهب من ودائع الغائبين فأرسل صحبته طائفة من العسكر فدلهم على مكانه فأخرجوه وحملوه إلى حسن باشا وأمثال ذلك. وفي يوم الجمعة فتحوا بيت المعلم إبراهيم الجوهري وباعوا ما فيه وكان شيئًا كثيرًا من فرش ومصاغ وأوان وغير ذلك. وفي يوم السبت برز عابدي باشا ودرويش باشا وأخرجوا خيامهما إلى البساتين قاصدين السفر. وفيه ركب علي بك الدفتردار وذهب إلى بولاق وفتح الحواصل وأخرج منها الغلال لأجـل البقسماط والعليق. وفي يوم الأحد نودي على الغز والأجناد والأتباع البطالين أن يخدموا عند الأمراء. وفـي يـوم الاثنيـن سافـر عابـدي باشـا ودرويـش باشـا وأخرجـوا خيامهمـا إلـى البساتيـن وأخـرج الأمراء وفيه حضر باشا من ناحية الشام وهو أمير كبير من أمراء شين أغالي وصحبته نحو ألف عسكري فنزل بهم بالعادلية يومه ذلك. وفـي يـوم الثلاثـاء دخلـت عساكـر المذكـور إلـى القاهـرة وأميرهـم توجـه إلـى ناحية البساتين من نواحي بابا الوزير. وفي يوم الخميس سافر أمير شين أغلي بعساكره إلى جهة قبلي. وفي يوم السبت ثامن عشرين القعدة نودي بفرمان بمنع زفاف الأطفال للختان في يوم الجمعة بالطبـول وسبـب ذلـك أن حسـن باشا صلى بجامع المؤيد الذي ببات زويلة فعندما شرع الخطيب فـي الخطبـة وإذا بضجـة عظيمـة وطبـول مزعجـة فقـال الباشـا مـا هـذا فأخبـروه بذلـك فأمر بمنع ذلك في مثل هذا الوقت. وفـي غـرة الحجـة أشيعـت أخبـار وروايـات ووقائـع بـن الفريقين وأن جماعة من القبالي حضروا بأمان عند اسمعيل بك. وفـي يـوم الثلاثـاء ثانـي شهر الحجة حضر إلى مصر فيض الله أفندي رئيس الكتاب فتوجه إلى حسـن باشـا فتلقـاه بالإجلال والتعظيم وقابله من أول المجلس ثم طلع إلى القلعة وقابل محمد باشا أيضًا ثم نزل إلى دار أعدت له ثم انتقل إلى دار بالقلعة عند قصر يوسف. وفـي يـوم الخميـس حضـر أغـا وعلـى يـده تقريـر لمحمـد باشـا علـى السنـة الجديـدة فركب من بولاق إلى العادلية وخرج إليه أربـاب الخـدم والدفتـردار وأغـات مستحفظـان وأغـات العـزب والوجاقليـة ودخل بموكب عظيم من باب النصر وشق القاهرة وطلع إلى القلعة. وفي يوم السبت نودي بأن من كانت له دعوة وانقضت حكومتها في الأيام السابقة لا تعاد ولا تسمع ثانيًا وسبب ذلك تسلط الناس على بعضهم في التداعي. وفيه ردت السلفة التي كانت أخذت من تجار المغاربة وهي آخر السلف المدفوعة. وفـي يـوم الأربعـاء عاشـر الحجـة كان عيد النحر وفيه وردت أخبار من الجهة القبلية بوقوع مقتلة عظيمة بين الفريقين وقتل من المصرية عمر كاشف الشرقية وحسن كاشف وسليمان كاشف ثم انحازت العسكر إلى المراكب ورجع الأمراء إلى وطاقهم فأغنم حسن باشا لتمادي أمرهم وكـان يرجـو انقضـاءه قبـل دخـول الشتـاء ويأخذ رؤوسهم ويرجع بهم إلى سلطانه قبل هبوط النيل لسيـر المراكـب الروميـة حتـى أنـه منـع من فتح الترع التي من عادتها الفتح بعد الصليب كبحر أبي المنجاوميس والقريفين خوفًا من نقص الماء فتتعوق المراكب الكبار. وفيه حضر واحد ططري وعلى يده مرسوم فطلب حسن باشا محمد باشا المتولي فنزل إليه وجمع الديوان عنده فقرأ عليهم ذلك المرسوم وحاصله الحث والتشديـد والاجتهـاد فـي قتـل العصاة والفحص عن أموالهم وموجوداتهم والانتقام ممن تكـون عنـده وديعـة ولا يظهرهـا وعـدم التفريط في ذلك وطلب حلوان عن البلاد فائظ ثلاث سنوات. وفـي أواخر الحجة أرسل عابدي باشا مكاتبة حضرت له من الأمراء القبالي وهي جواب عن رسالتهم وهي باللغة التركية وحاصل مـا فهمتـه مـن ذلـك أنكـم تخاطبونـا بالكفـرة والمشركيـن والظلمة والعصاة وأننا بحمد الله تعالى موحدون وإسلامنها صحيح وحججنا بيت الله الحرام وتكفيـر المؤمـن كفر ولسنا عصاة ولا مخالفين وما خرجنا من مصر عجزًا ولا جبنا عن الحرب إلا طاعـة للسلطان ونائبه فإنه أمرنا بالخروج حتى تسكن الفتن وحقنًا للدماء ووعدنا أنه يسعى لنا فـي الصلـح فخرجنـا لأجـل ذلـك ولـم نـرض بإشهـار السلـاح فـي وجوهكـم وتركنا بيوتنا وحريمنا في عرض السلطان ففعلتم بهم ما فعلتم ونهبتم أموالنا وبيوتنا وهتكتم أعراضنا وبعتـم أولادنـا وأحرارنا وأمهات أولادنا وهذا الفعل ما سمعنا به ولا في بلاد الكفر وما كفاكم ذلك حتى أرسلتم خلفنا العساكر يخرجونا عن بلاد الله وتهددونا بكثرتكم وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله وأن عساكر مصر أمرها في الحرب والشجاعة مشهور في سائر الأقاليم والأيام بيننا. وكـان الأولـى لكـم الاجتهـاد والهمـة فـي خلـاص البلـد التـي غصبـا منكـم الكفـار واستولـوا عليهـا مثـل بلـاد القـرم والـودن واسمعيـل وغير ذلك. وأمثال هذا القول وتخشين الكلام تارة وتليينه أخرى وفـي ضمـن ذلك آيات وأحاديث وضرب أمثال وغير ذلك. فأجابهم عابدي باشا ونقض عليهم ونسب كاتبهم إلى الجهل بصناعة الإنشاء وغير ذلك مما يطول شرحه وانقضت هذه السنة وما وقع بها من الحوادث الغريبة. من مات في هذه السنة توفي الشيخ العلامة المحقق والفهامة المدقق شيخنا الشيخ محمد ابن موسى الجناجي المعروف بالشافعي وهو مالكي المذهب أحد العلماء المعدودين والجهابذة المشهورين تلقى عن مشايـخ عصره ولازم الشيخ الصعيدي ملازمة كلية وصار مقرئه ومعيدًا لدروسه وأخذ عن الشيخ خليل المغربي والسيد البليدي وحضر على الشيخ يوسف الحفني والملوي وتمهر في المعقول والمنقول ودرس الكتب المشهورة الدقيقة مثل المغني لابن هشام والاشموني والفاكهـي والسعـد وغيـر ذلـك وأخـذ علـم الصـرف عـن بعـض علمـاء الـأروام وعلم الحساب والجبر والمقابلة وشباك بن الهائـم عـن الشيـخ حسيـن المحلـاوي واشتهـر فضلـه فـي ذلك وألف فيها رسائل وله في تحويل النقود بعضهـا إلـى بعـض رسالـة نفيسـة تـدل علـى براعتـه وغوصـه فـي علـم الحسـاب وكـان لـه دقائق وجودة استحضار في استخراج المجهولات وأعمال الكسورات والقسمـة والجـذورات وغيـر ذلـك مـن قسمة المواريث والمناسخات والأعداد الصم والحل والموازين ما انفرد به نظائره. وكتب على نسخـة الخرشـي التـي فـي حـوزه حواشـي وهوامـش ممـا تلقـاه ولخصـه مـن التقاريـر التـي سمعهـا مـن أفـواه أشياخـه مـا لـو جـرد لكـان حاشيـة ضخمـة فـي غايـة الدقـة وكذلـك باقـي كتبه وله عدة رسائل في فنون شتى وكتب حاشية على شرح العقائد ومات قبل إتمامها كتب مناه نيفًا وثمانين كراسًا. وتلقى عنه كثير من أعيان علماء العصر ولازموا المطالعة عليه مثل العلامة الشيخ محمد الأمير والعلامـة الشيـخ محمد عرفة الدسوقي والمرحم الشيخ محمد البناني واجتمع بالمرحوم الوالد سنة سـت وسبعيـن واستمـر مواظبـًا لنـا فـي كـل يـوم وواظـب الفقيـر في إقرائي القرآن وحفظة فأحفظني مـن شـورى إلـى مريـم وينسـخ للوالـد ما يريد من الكتب الصغيرة الحجم. ولم يزل على حاله معنا فـي الحـب والمـودة وحسـن العشـرة إلـى آخـر يـوم مـن عمره وحضرت عليه في مبادئ الحضور الملوي على السلم وشرح السمرقندية في الاستعارات والفاكهي على القطر في دروس حافلة بالأزهر والسخاوي والنزهة في الحساب خاصة بالمنزل وكان مهذب الأخلاق جدًا متواضعًا لا يعرف الكبر ولا التصنع أصلًا ويلبس أي شيء كـان مـن الثيـاب الناعمـة والخشنـة ويذهـب بحمـاره إلىجهة بولاق ويشتري البرسيم ويحمله عليه ويركب فوقه ويحمل طبق العجين إلى الفرن على رأسـه ويذهـب فـي حوائـج إخوانـه. ولمـا بنـى محمـد بـك أبـو الذهـب مسجده تجاه الأزهر تقرر في وظيفة خزن الكتب نيابة عن محمد أفندي حافظ مضافة إلى وظيفة تدريـس مـع المشايـخ المقررين فلازم التقييد بها وينوب عنه أخوه الشيخ حسن في غيابه وكان أخوه هذا ينسخ أجـزاء القـرآن بخـط حسـن فـي غايـة السرعة ويتحدث مع الناس وهو يكتب من حفظه ولا يغلط. ولم يزل المترجـم يملـي ويفيـد ويبـدي ويعيـد مقبـلًا علـى شأنـه ملحوظـًا بيـن أقرانـه حتـى وافـاه الحمـام فـي سابـع عشريـن جمـادى الثانيـة مـن السنـة مطعونًا وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بتربة المجاورين. ومات الإمام الفاضل المحدث الفقيه البارع السيد محمد بن أحمد بـن مصطفـى أفضـل صفـي الدين أبو الفضل الحسيني الشهير بالبخاري ولد تقريبًا سنة 1160 وقرأ على فضلاء عصره وتكمـل فـي المعقـول والمنقـول وورد إلـى اليمـن حاجـًا فـي سنـة ثلاث وسبعين فسمع بالنجائي السيد عبـد الرحمـن ابـن أحمـد باعيديـد وذاكـر معـه فـي الفقـه والحديـث ثـم ورد زبيـد فأدرك الشيخ المسند محمـد بـن عـلاء الديـن المزجاجي فسمع منه أشياء وكذلك من السيد سليمان بن يحيى وغيرهما ثـم حـج وزار واجتمـع بالشيـخ محمد ابن عبد الكريم السمان فأحب طريقته ولازمه ملازمة كلية وأجـازه فيهـا وورد الينبـع فجلـس فيـه مـدة وأحبـه أهلـه. وورد مصر سنة 1182 واجتمع بعلمائهـا وذاكـر بأنصـاف وتـؤدة وكمـال معرفة ولم يصف له الوقت فتوجه إلى الصعيد فمكث في نواحـي جرجـا مـدة وقـرأ عليـه هنـاك بعـض الأفـراد فـي أشيـاء ثـم رجـع إلى مصر سنة سبع وثمانين وسافـر منهـا إلـى بيـت المقـدس فأكـرم بهـا وزار الخليـل وأحبـه أهل بلده فزوجوه. ثم أتى إلى مصر سنـة ثمـان وثمانيـن واجتمعت حواسه في الجملة ثم ذهب إلى نابلس واجتمع بالشيخ السفاريني فسمـع عليـه أشيـاء وأجـازه وأحبه وكان المترجم قد أقتن معتقد الحنابلة فكان يلقيه لهم بأحسن تقرير مع التأييد ودفع ما يرد على أقوالهم من الإشكالات بحسن بيان والبلد أكثر أهله حنابلة فرفعـوا شأنـه وعظـم عندهـم مقـداره. ثـم ورد مصـر سنـة تسعيـن واجتمع بشيخنا السيد مرتضى لمعرفة سابقة بينهما وكان ذلك في مبادئ طنطة شيخنا المذكور فنوه بشأنه وكان يأتي إلى درسه بشيخون فيجلسه بجانبه ويأمر الحاضرين بالأخذ عنه ويجله ويعظمه فراج أمره بذلك فأقام بمصر سنة في وكالة بالجمالية واشتهر ذكره عند كثير من الأعيان بسبب مدح شيخنا المذكـور فيـه وحثهـم على إكرامه فهادوه بالملابس وغيرها ثم عزم على السفر إلى نابلس فهرعوا إليه وزودوه بالدراهم واللوازم وأدوات السفر وشيعوه بالإكرام وسافر إلى نابلس ثم إلى دمشق وأخـذ عنـه علماؤهـا واحترمـوه واعترفـوا بفضله. وكان إنسانًا حسنًا مجموع الفضائل رأسًا في فن الحديث يعرف فيه معرفة جيدة لا نعلم من يدانيه في هذا العصر بعد شيخنا المذكور واسع الاطلاع على متعلقاته مع ما عنده من جودة الحفظ والفهم السريع وإدراك المعاني الغريبة وحسن الإيـراد للمسائـل الفقهيـة والحديثيـة. ثـم عـاد إلـى نابلـس وسافـر بأهلـه إلى الخليل فأراد أن يسكن بها فلـم يصـف لـه الوقـت ولـم ينتظـم لـه حـال لضيـق معـاش أهـل البلد فعاد إلى نابلس في شعبان وبها توفي سحر ليلة الأحد سابع عشرين رمضان من السنة مطعونًا بعد أن تعلل يومًا وليلة ودفن بالزاركية قرب الشيخ السفاريني وتأسف عليه الناس وحزنوا عليه جدًا وانقطع الفن من تلك البلاد بموته رحمه الله وعوض في شبابه الجنة ولم يخلف إلا ابنة صغيرة وله مؤلفات في فن الحديث. ومـات العمـدة المبجـل الفقيـه الوجيـه والحبـر اللوذعي النبيه السيد نجم الدين بن صالح بن أحمد بن محمـد بـن صالـح بـن محمـد بـن عبـد اللـه التمرتاشـي الغـزي الحنفـي قـدم إلى مصر في حدود الستين وحضر على مشايخ الوقت وفقته وقرأ في المعقولات والمنقولات وتضلع ببعض العلوم ثم شغف بأسبـاب الدنيـا وتعاطـى بعـض التجـارات وسافـر إلى اسلامبول وتداخل في سلك القضاء ورجع إلـى مصـر ومعـه نيابـة قضـاء أبيـار بالمنوفية ومرسومات بنظارات أوقاف فأقام بأبيار قاضيًا بضع وعشـر سنيـن وهـو يشتري نيابتها كل دور وابتدع فيها الكشف على الأوقاف القديمة والمساجد الخربـة التـي بالولايـة وحسـاب الواضعيـن أيديهـم علـى أزراقها وأطيانه حتى جمع من ذلك أموالًا ثم رجع إلى مصر واشترى دارًا عظيمـة بـدرب قرمـز بيـن القصريـن واشتـرى المماليـك والعبيـد والجـواري وترونق حاله واشتهر أمره وركب الخيول المسومة وصار في عداد الوجها وكان يحمل معـه دائمـًا متـن تنويـر الأبصـار يراجـع فيه المسائل ويكتب على هامشه الوقائع والنوادر الفقهية. ثم تولـى نيابـة القضـاء بمصـر فـي سنـة سـت وثمانيـن فـازدادت وجاهتـه وانتشـر صيتـه وابتكر في نيابته أمـورًا منهـا تحليـف الشهـود وغيـر ذلـك ثـم سافـر إلـى اسلامبـول فـي سنـة اثنتيـن وتسعين وعاد. ثم سافـر فـي سنة تسع وتسعين واجتمع هناك بحسن باشا ووشى إليه أمر مصر وسهل له أمرها وأمراءها حتى جسره على القدوم إليها وحضر صحبته إلى ثغر إسكندرية وكان بينه وبين نعمان أفندي قاضي الثغر كراهة باطنية فوشى به عند حسن باشا حتى عزله من وظيفة القضـاء وقلدهـا للمترجـم وكاد أن يبطش بنعمان أفندي فهرب منه إلى رشيد ولم يلبث المترجم أن أصابـه الفالـج ومـات سابـع عشريـن رمضـان عـن نيـف وتسعيـن سنـة. ونقـم عليـه بعد ذلك حسن باشـا أمورًا وعلم براءة نعمان أفندي مما نسبه إليه وأحضر نعمان أفندي وأكرمه ورد له منصبه وأجلـه وأكرمـه وصاحبـه مـدة إقامته بمصر ورجع معه إلى اسلامبول وجعله منجم باشا. وكانت لـه يـد طولـى فـي علـم النجامـة ثـم نفـاه بعـد ذلـك إلـى أماصيـه بسبـب توسطه مع صالح أغا للأمراء المصرييـن كمـا ذكـر فـي موضعـه. وخلـف المترجـم ابنـه صالـح جلبـي الموجـود الـآن ومملوكـه علـى أفندي الذي كان يتولى نيابات القضاء في المحلة ومنوف وغيرهما. ومات الشيخ الصالح أحمد بن عيسى بن عبد الصمد بن أحمد بن فتيح ابن حجازب بن القطـب السيـد علـي تقـي الديـن دفيـن رأس الخليـح بـن فتـح ابـن عبـد العزيـز بـن عيسى بن نجم خفير بحر البرلس الحسيني الخليجي الأحمدي البرهاني الشريف الشهير بأبي حامد ولد برأس الخليج وحفـظ القـرآن وبعـض المتـون ثم حبب إليه السلوك في طريق الله تعالى فترك العلائق وانجمع عن الناس واختار السياحة مع ملازمته لزيارة المشاهد والأولياء والحضور في موالدهم المعتادة. وكان الأغلب في سياحته سواحل بحر البرلس ما بين رشيد ودمياط على قدم التجريد. ووقعـت لـه في أثناء ذلك إشارات واجتمع فيها بأكابر أهل الله تعالى وكان يحكي عنهم أمورًا غريبة من خوارق العادات وأقام مدة يطوى الصيام ويلازم القيام واجتمع في سياحتـه ببلـاد الشـرق علـى صلحـاء ذلـك العصـر ورافـق السيـد محمد ابن مجاهد في غالب حالاته فكانا كالروح في جسد وله مكارم أخلاق ينفق في موالد كل من القطبين السيد البدوي والسيد الدسوقي أموالًا هائلة ويفرق في تلك الأيام على الواردين على ما يحتاجون إليه من المآكل والمشارب. وكان كلما ورد إلى مصر يزور السادة العلماء ويتلقى عنهم وهم يحبونه ويعتقدون فيه منهم الشيـخ الدمياطـي وشمـس الديـن الحفنـي وغيرهمـا. وكـان لـه شيخنـا السيـد مرتضـى مزيـد اختصـاص وألـف باسمـه رسالـة المناشـي والصفيـن وشرح له خطبة الشيخ محمد البحيري البرهاني على تفسير سورة يونس وباسمه أيضًا كتب له تفسيرًا مستقلًا على سورة يونس على لسان القوم وصل فيه إلى قوله تعالى: واجعلوا بيتكم قبلة وذلك في أيام سياحته معه وكمله بعد ذلـك. وفي سنة 1199 ورد إلى مصر لأمر اقتصى فنزل في المشهد الحسيني وفرش له على الدكـة وجلس معه مدة وتمرض أشهرًا بورم في رجليه حتى كان في أول المحرم من هذه السنة زاد بـه الحـال فعـزم علـى الذهـاب إلـى فـوة. فلمـا نـزل إلـى بولـاق وركـب السفينـة وافاه الحمام وأجاب مولـاه بسلام وذلك في يوم عاشوراء وذهب به أتباعه إلى فوة بوصية منه وغسل هناك وفدن بزاوية قرب بيته وعمل عليه مقام يزار. ومات الشيخ الفاضل النبيه اللوذعي الذكي المفوه الناظم الناثر الشاعـر اللبيـب الشيـخ محمـد المعروف بشبانه كان من نوادر الوقـت اشتغـل بالمعقـول وحضـر علـى أشيـاخ العصـر فأنجـب وعانـى علـم العـروض ونظـم الشعـر وأجـاد القوافـي وداعـب أهـل عصـره مـن الشعراء وغيرهم واشتهر بينهم وأذعنوا لفضله إلا أن سليقته في الهجو أجود من المدح. ومـات الأجـل المكـرم أحمـد بـن عياد المغربي الجربي كان من أعيان أهل تونس وتولى بها الدواوين وأثرى فوقع بينه وبين اسمعيل كتخدا حمودة باشة تونس أمور أوجبت جلاءه عنها فنزل في مركب بأهله وأولاده وماله وحضر إلى إسكندرية فلما علم به القبطان أراد القبض عليه وأخذ أمواله فشفع فيه نعمان أفندي قاضي الثغر وكان له محبة مع القبطان فأفرج عنه فأهدى بن عيـاد لنعمـان أفنـدي ألـف دينار في نظير شفاعته كما أخبرني بذلك نعمان أفندي المذكور. ثم حضر إلى مصر وسكن بولاق بشاطئ النيل بجوار دارنا التي كانت لنا هناك وذلك في سنة اثنتين وتسعيـن ومعـه ابنـه صغيـرًا ونحـو اثنتـي عشـرة سريـة مـن السـراري الحسـان طـوال الأجسـام وهـن لابسات ملابس الجزائر بهيئة بديعة تفتن الناسك وكذلك عدة من الغلمان المماليك كأنما أفرغ الجميـع فـي قالـب الجمـال وهم الجميع بذلك الزي. وصحبته أيضًا صناديق كثيرة وتحائف وأمتعة فأقـام بذلـك المكـان منجمعـًا عـن الناس لا يخرج من البيت قط ولا يخالط أحدًا من أهل البلدة ولا يعاشـر إلا بعـض أفـراد مـن أبنـاء جنسـه يأتونـه فـي النـادر فأقـام نحو ثمان سنوات ومات أكثر جواريه ومماليكه وعبيده وخرج بعده من تونس اسمعيل كتخدا أيضًا فارًا من حمودة باشا ابن علي باشا وحضر إلى مصر وحج ورجع إلى اسلامبول واتصل بحسـن باشـا ولازمـه فاستـوزره وجعله كتخدا. فلما حضر حسن باشا إلى مصر أرسل إليه بن عياد تقدمة وهدية فقبلها وحضـر أيضـًا فـي أثـره اسمعيـل كتخـداه المذكـور فأغـراه بـه لمـا فـي نفسـه منـه مـن سابـق العـداوة والظلـم كميـن في النفس القوة نظهره والضعف يخفيه فأرسل حسن باشا يطلب ابن عياد للحضور إليه بأمان فاعتذر وامتنع فسكت عنه أيامًا ثم أرسل يستقرض منه مالًا فأبى أن يدفع شيئًا ورد الرسل أقبح رد فرجعوا وأخبروا اسمعيل كتخـدا وكـان بخـان الشرايبـي بسبـب المطلـوب مـن التجار فحنق لذلك وتحرك كامن قلبه من العداوة السابقة وركب في الحال وذهب إلى بولاق ودخـل إلـى بيته وناداه فأجابه بأحسن الجواب وأبى أن ينزل إليه وامتنع في حريمه وقال له: أما كفـاك أنـي تركـت لـك تونـس حتـى أتيتنـي إلـى هنـا. وضرب عليه بنادق الرصاص فقتل من أتباعه شخصين فهجم عليه اسمعيل كتخدا وطلعوا عليه وقتلوه وقطع رأسه وأراد قتل ولده أيضًا فوقعت عليه أمه فتركوه وأخرجوا جثته خارج الزقاق فألقوها في طريق المارة وأخرجوا نساءه وخدمه واحتاطوا بالبيت وختموا عليه.
|